من الرقم سبعة تنطلق مكونات "السليقة" وهي إذ تقدّم إعلاناً عن ظهور السن اللبنية الأولى للطفل، تجد الجميع سعيداً.

هي موروث شعبي دأب عليه المجتمع في مدينة "سلمية" وريفها تعبيراً عن فرح الأهل بظهور أول الأسنان لدى مولودهم الجديد، خاصة والكل يعرف مدى العذاب الذي يعانيه هذا الطفل ومن ورائه الأهل لدى ظهور السن الأول.

لقد نذرت أن تقام هذه المناسبة في بيتي، خاصة أنها من جعلتني أصبح جدّاّ

الطفلة "لين القصير" موعودة مثل غيرها من الأطفال بهذه المناسبة، لأنها عانت ما عانته من ألم ظهور الأسنان، وحان الوقت كي يقدم الأهل نذور هذه المناسبة إيذاناً بزوال الألم.

الطفلة "لين" تحتفل بظهور أولى أسنانها

السيدة "فيروز الشيحاوي" والدة "لين" سعيدة ومنهمكة بهذا اليوم، قالت: «إنها طفلتي البكر وأنا سعيدة اليوم لأنني أزور الجيران لأقدم صحناً من "السليقة" بمناسبة بدء ظهور أسنان ابنتي».

الجد "علي القصير" الذي تكفل بشراء المواد اللازمة، قال: «لقد نذرت أن تقام هذه المناسبة في بيتي، خاصة أنها من جعلتني أصبح جدّاّ».

هدايا الأقارب للطفلة

موقع eSyria التقى الأستاذ "حسن القطريب" يوم الأحد 8 نيسان 2012 ليحدثنا عن هذه العادة الشعبية التي تكاد تتكرر في كل يوم مادام هناك أطفال استقبلوا ظهور أول سن في فمهم، وهنا يقول: «درجت العادة في بلاد الشام والرافدين على تقديم ما يسمى "السليقة" فرحاً بظهور السن الأول لدى الأطفال، وهي من العادات المحببة والجميلة التي ما زالت مستمرة منذ آلاف السنين، وفي "سلمية" وريفها ما زالت قائمة وينتظرها الأهل بفارغ الصبر، فهم يخبرون الجيران والأقارب عن موعد "السليقة"، وترى النسوة الأقرب إلى البيت يبادرن في المساعدة وتحضير هذه الوجبة الدسمة، وربما يستطيع الكل تناول صحن بأكمله، عدا الطفل صاحب المناسبة فيخشى عليه من تناول مثل هذه الحبوب لأنه لم يتعود المضغ الجيد».

ويتابع قائلاً: «ما نعرفه أن "السليقة" مكونة من ستة أنواع من الحبوب إضافة لنوع من السكاكر، وهي: "القمح" المكون الرئيسي وكميته تكون الأكبر، "الحمّص"، "الفول"، "حب الفاصولياء"، الذرة الصفراء"، "العدس"، ثم تزيّن بنوع من السكاكر "الكراميلا"، وتحضّر كلها بطريقة سلق كل نوع على حدة، وبعد ذلك تخلط مع بعضها وترسل في صحون إلى الجيران والأقارب».

"لين" بين صحون "السليقة"

ومن الطقوس أيضاً ما يقدمه من جاءه صحن من "السليقة" يقول الأستاذ "حسن": «من المتعارف عليه أن كل من ينال شرف تناول هذه "السليقة" أن يعيد في الصحن شيئاً ما يختاره هو، وغالباً ما تكون النقود موجودة، وأحياناً السكر، والبرغل، والرز، والألعاب، ويعاب على من يرسل الصحن فارغاً، وهذا نادر الحدوث، فالكل يعرف الطقوس، لذا لا خوف على عودته فارغاً».

ولماذا الحبوب تحديداً لهذه المناسبة؟ يقول الأستاذ "حسن": «تعني كلمة "دجن" في اللغة الأوغاريتية "حبوب" وذلك منذ النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد حيث يذكر وجود لآلهة تدعى "دجن"، وفي عبارات البعض يذكر في حال أنه قضى يومه دون تناول الطعام "ما ذقت الدجن"، وهذا يدل على أن هذه الحبوب التي تتكون منها "السليقة" هي الطعام القادم الذي سيكون بديلاً للطفل من ثدي أمه وحليبها، أي إن ظهور السن هي بشارة على أن الطفل أصبح قادراً على مضغ الطعام».

ويضيف: «كما أن القيمة الغذائية الموجودة في هذه الأصناف من الحبوب كافية لأن تصنع إنساناً معافى».

ويختم بالمثل الذي يقول: «"لو عرفت أمي بوجع أسناني، كانت حضّرت أكفاني"».

ختاماً.. يبقى أن نعترف بفضل هذه المناسبات لأنها وحدها من تبقي على الترابط الاجتماعي والتواصل بين الجيران والأهل والأحبة، فهل ظهور سن واحدة تجعلنا أقرب إلى الفرح من الحزن؟ ربما.. لكننا لا ننسى أن نبارك لصاحبة الدعوة "لين القصير" على مشوار الألف ميل في طريقها إلى طبيب الأسنان، كفانا وإياكم زيارته.