الوهن العضلي الشديد.. مرض التدمير الذاتي

02:16 صباحا
قراءة 6 دقائق
يتميز الجهاز المناعي بقدرته على معرفة الأجسام الغريبة والضارة من بكتيريا وفيروسات وديدان وطفيليات وغيرها، من التي تدخل الجسم وتهاجمه، وتقوم خلايا المناعة بعمل اللازم من مهاجمتها والقضاء عليها.
ويستطيع الجهاز المناعي التفرقة بين خلايا الجسم السليمة وغيرها من الكائنات الغريبة والضارة؛ لكن ما الذي يحدث لو هاجم الجهاز المناعي خلايا الجسم نفسه؟، بالطبع سوف تكون النتائج كارثية على صحة الشخص، وهذا ما يحدث في حالة الإصابة بمرض «الوهن العضلي الشديد».
يختل جهاز المناعة عند مريض الوهن العضلي الشديد، فينتج أجساماً مضادة لمستقبلات الخلايا العضلية، ومن ثم لا تصل إلى العضلات أوامر الانقباض فتصبح العضلات ضعيفة وهزيلة؛ بل ومؤلمة أيضاً، ويكون الضعف كبيراً بالذات في عضلات الذراعين والساقين والوجه، وهو ما يؤدي إلى أن تتغير تعابير الإنسان الطبيعية.
وتحدث لدى المريض حركات غير طبيعية ولا إرادية، ولوحظ أن المرض يشتد مع كثرة النشاطات وتتحسن الحالة مع الراحة.
يتسم مرض الوهن العضلي الشديد بنوبات حادة تعقبها فترات من الهدوء، وكأن المريض شفي تماماً ثم يعاود الجهاز المناعي هجومه مرة أخرى، وتظهر على المريض الأعراض من جديد، وهو مرض يصيب أي مرحلة عمرية وإن كان عادة يصيب النساء بدءاً من الأربعينات في حين يصيب الرجال في أعمار أكبر.
نتناول في هذا الموضوع مرض الوهن العضلي الشديد بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، وكذلك الأعراض التي تظهر وطرق الوقاية والعلاج الممكنة والحديثة.

المناعة ضد الحركة

احتار العلماء طويلاً في معرفة سبب مهاجمة الجسم لنفسه في مرض الوهن العضلي الشديد، وما زال سبب قيام الخلايا المناعية بمنع الإشارات العصبية من الوصول للعضلة مجهولاً وغير مفهوم حتى الآن.
وتشير بعض النظريات إلى احتمالية وجود بروتينات فيروسية أو بكتيرية تحث الجهاز المناعي على تدمير مستقبلات الإشارات العصبية.
ويعتقد بوجود رابط بين الوهن العضلي الشديد والغدة الزعترية، وهي غدة تقع أعلى القلب على القصبة الهوائية، وهي جزء من الجهاز المناعي؛ حيث تفرز هرمون الثيموسين، الذي ينظم ويشرف على المناعة في الجسم.
ويتناقص حجم هذه الغدة بعد البلوغ إلا أنها تظل كبيرة لدى بعض المصابين بداء الوهن العضلي الشديد، وترى بعض الدراسات وجود علاقة بين هذا المرض وأي خلل أو ورم في الغدة الزعترية، وتؤدي الوراثة والطفرات الجينية دوراً في ظهور المرض.
ويؤثر المرض في العضلات الإرادية التي يتحكم فيها الإنسان بنفسه، فهي التي تستقبل الإشارات العصبية حين يريد صاحبها تحريكها، ولا تؤثر في العضلات اللا إرادية التي لا يستطيع الإنسان التحكم فيها بنفسه، مثل عضلات المعدة التي تساعد في هضم الطعام، وعضلات الأوعية الدموية التي تساعد في تحرك الدم؛ وذلك عدا عضلات التنفس اللا إرادية يصيبها المرض في المراحل المتأخرة منه، وبالتالي يجد المريض صعوبة في عملية التنفس، ويمكن أن يحتاج في هذه الحالة إلى جهاز يساعده على التنفس.

الوجه يكشف المريض

يعد الضعف في عضلات العينين والوجه أول ما يظهر من الأعراض على مريض الوهن العضلي الشديد، فيتدلى جفن العين أو العينين، ويصعب على المريض تحريك عضلات وجهه، فحتى الابتسامة تشكل مجهوداً عليه.
ويصعب كذلك على المريض المضغ والبلع، كما يحدث صعوبة في التنفس، ويشعر الشخص المريض على مدار اليوم بالتعب المتزايد في عضلات العنق والذراعين واليدين والأصابع والرجلين، وبعد فترة من الراحة يشعر بالتحسن، ويتغير صوت المريض فيصبح أنعم أو كأنه يخرج من أنفه؛ وذلك تبعاً للعضلات المصابة.
وتمرض العضلات فتصبح مؤلمة وتصاب بالإرهاق سريعاً، حتى أن رفع شيء ثقيل يصبح أصعب فأصعب، وتضعف العضلة أكثر فأكثر، وتنتج كل هذه الأعراض؛ بسبب منع المناعة وصول الإشارات العصبية للعضلات.
ويختلف اجتماع هذه الأعراض مع بعضها بين مريض وآخر، فلا يظهر إلا أحدها أو بعضها أو معظمها، ففي مرض الوهن العضلي الوبيل العيني يقتصر المرض على عضلات العين، وفي حالات أخرى يشمل الوجه والأطراف، وفي بعض الحالات يشمل معظم عضلات الجسم.
وتظهر الأعراض فجأة في بعض المرضى ومتدرجة من الضعف إلى الشدة في مرضى آخرين، ويمر المريض بفترات هدوء وتعود عضلاته للعمل بطبيعتها، ولا يعد هذا شفاء مؤقتاً؛ بل هي فترة يغيب فيها تأثير المرض على المريض ولا يختفي المرض ذاته، وفي أمراض مزمنة كهذا ربما يسمح الطبيب بإيقاف الأدوية مؤقتاً طالما أنها غير ذات حاجة.

ملاحظة الأعراض

يتابع الطبيب الأعراض فيفحص ضعف العضلات وردة فعل العضلة، ويلاحظ تدلي الجفن أو تشوش الرؤية، ويسأل المريض هل يشعر بما يلمسه؟ فهذا يساعد على تشخيص المرض، واستبعاد الإصابة بغيره من الأمراض.
يطلب الطبيب من المريض عمل الإشعاعات على منطقة الصدر؛ للتأكد من عدم وجود أورام، كما يجرب بعض الأدوية المثبطة للمناعة؛ لتأكيد مرض الوهن العضلي من غيره.
ويجري الطبيب تحاليل الدم للعثور على الأجسام المضادة للمناعة، أو يستخدم جهاز رسم العضلات الكهربي لتشخيص المرض.
ويختلف الوهن العضلي الشديد عن متلازمة الوهن العضلي الخلقي، التي تحدث نتيجة ضعف في مستقبلات العضلات ولا علاقة لها بجهاز المناعة وهما متشابهان في الأعراض فقط.

نوبة الوهن

يتضاعف عدم القدرة على تحريك العضلات، إذا لم تتم متابعة حالة المريض وتركه دون علاج، حتى يستحيل التحرك بشكل طبيعي.
ويصعب كذلك عليه فتح عينيه أو التحدث، ويصبح مهدداً بنوبة الوهن العضلي وهي حالة لا يقدر معها المريض على التنفس؛ حيث إنها حالة طارئة لابد من حصول المريض على رعاية طبية سريعة، ولابد من وضع المريض على جهاز تنفس اصطناعي وإلا فقد حياته.
ويعتبر من الضروري قيام الطبيب بعمل اختبار لأداء الرئتين كل فترة للتأكد من عدم حدوث تدهور في عضلاتهما، ويكون المريض معرضاً للإصابة بأورام الغدة الزعترية أو الإصابة بأمراض أخرى لها علاقة بالمناعة، مثل داء الذئبة أو التهاب المفاصل الروماتويدي.

الراحة والطعام

ينصح الطبيب مريض الوهن العضلي الشديد بالتأني الشديد أثناء الأكل، والاستراحة بين ملعقة وأخرى وكذلك تناول وجبات صغيرة على مرات كثيرة بدلاً من وجبات كبيرة، وأن يبتعد عن الأطعمة صعبة المضغ، وأن يؤجل نشاطاته للأوقات التي يشعر فيها بالقوة، وألا يتردد في طلب المساعدة عندما يحتاج إليها، كما ينصح الطبيب بالراحة وتجنب التوتر وكذلك التعرض للحرارة العالية أو البرودة الشديدة فهي أمور تزيد العضلات ضعفاً.
ولا يوجد حتى الآن أي علاج شاف للمرض، وهذا طبيعي مع عدم اكتمال فهم العلماء لطبيعة هذا المرض، ولكن تتوفر الأدوية التي تهدئ الأعراض وتحسن الحالة أو تثبط الجهاز المناعي حتى يقل تأثيره على مستقبلات الإشارات العصبية بالعضلات.
كما توجد أدوية تحسن من التواصل بين الأعصاب والعضلات، وعلى المريض إخبار طبيبه بأي أدوية أخرى يستعملها حتى لا تتعارض الأدوية مع بعضها، ويمكن إزالة الغدة الزعترية في بعض الحالات وتؤدي إزالتها لتحسن في العضلات مقارنة مع المرضى الذين لم يستأصلوها.

أمل جديد

ويقوم فريق طبي بالسويد حالياً بتجريب طريقة جديدة للعلاج، عن طريق زرع خلايا جذعية جديدة للمريض تحل محل الجهاز المناعي المتضرر، وهم يرون أنهم سيحققون نقلة جيدة لعلاج هذه المشكلة؛ حيث تؤكد الدراسة أن نتائج العلاج فاقت كل التوقعات، ولكنه مازال محفوفاً بنسبة من المخاطر وله آثار جانبية.
وينصح المريض بضرورة تناول الفاكهة والخضراوات؛ لأنها تحتوي على فيتامينات تسهل الهضم، وزيادة كمية البروتين في الطعام؛ لأنه يعمل على إعادة بناء الخلايا والعضلات التي أثر فيها المرض، وتناول الأطعمة التي تحتوي على الحديد لتعويض نقص الطاقة.
يجب أن يتجنب الشخص المريض تناول الأطعمة الدسمة التي تؤدي إلى تأخير التمثيل الغذائي وتسبب الكثير من المشكلات الصحية.

يصيب كل الأعمار

تشير دراسة حديثة إلى أن الإصابة بمرض الوهن العضلي الشديد يصل إلى حوالي 0.5% من سكان العالم، بمعدل يتراوح بين 200 إلى 400 شخص لكل مليون نسمة.
ويصيب المرض كل الأعمار ويلاحظ زيادة نسبته بعد سن الخمسين، ويصيب النساء أكثر من الرجال، وعلى الأغلب يصاب الذكور بعد سن الستين في حين يصاب الإناث بعد سن الأربعين أو أقل قليلًا.
ويتأثر الأطفال حديثو الولادة بهذا المرض، ولكنه غالباً ما يكون مؤقتاً، حيث تختفي الأعراض بعد بلوغهم نحو ثلاثة أشهر. ويعتبر هذا المرض من أكثر اضطرابات انتقال الإشارات العصبية شيوعاً، ولكنه في نفس الوقت يعتبر أقل أمراض المناعة انتشاراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"