شعار قسم مدونات

بين الطب والدين.. ما حقيقة وجود الجن؟

BLOGS تفكير

الجن حسب ما تعتقده الثقافات والديانات بأنها كائنات غير مرئية تعيش في عالمنا وتتحكم في البشر ووجد أن الكثير من الحالات التي اعتقد بأنها أصيبت بمس من الجن كانت مرتبطة باضطرابات نفسية معروفة عند العلماء والأطباء النفسيين وتفسر بأنها ناتجة عن خلل في المستقبلات العصبية أو نتيجة تعاطي بعض أنواع المواد والأدوية ولها علاج نفسي ودوائي معروف.

وحتى اليوم، لا تزال العديد من البلدان والثقافات تفسر السلوك النفسي الناتج عن أعراض بعض الاضطرابات السيكولوجية بأنه نتيجة وجود روح شريرة أو جن يسكن في الإنسان ولا سيما في بعض المناطق الأقل تطوراً في العالم حيث لا تزال مثل هذه الاعتقادات تمثل أمرا مسلما في الثقافة المحلية في هذه البلدان. ومن المثير للاهتمام أن المعتقدات حول تلبس الجن لا تُستخدم ببساطة لمحاولة تقديم شرح وعلاج للاضطرابات المتلعقة بعلم الأمراض النفسية، لكنها أصبحت تستخدم للسيطرة على هؤلاء الأفراد وتبرير الجرائم وجعلهم منبوذين في المجتمع.

يؤمن المسلمون بشكل قطعي بمسألة وجود الجن حيث أن هنالك سورة كاملة في القرأن الكريم اسمها سورة الجن أما مسألة دخوله في الإنسان وتحكمه بانفعالاته العصبية فهي محل خلاف بين علماء المسلمين على مر العصور. يقول الشيخ ابن حزم الأندلسي في أحد رسائله إنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها وأما أن يتكلم على لسان أحد، فحِمقٌ عتيقٌ وجُنونٌ ظاهرٌ. فنعود بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات.. انتهى كلام الشيخ.

على الرغم من كل هذا الخلاف بين الديانات والعلم إلا أنه هنالك شيء واحد يجب أن نتفق عليه هو أن الأمراض النفسية سببها خلل عضوي ولا يمكن لأي مجلة علمية محكمة أن تفترض خلاف ذلك

أما الدكتور يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين في حلقة تم بثها في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة ينفي مسألة تلبس الجن للإنسان ويقول بأنه لا يمكن للجن أن يؤثر في الإنسان بهذا الشكل الذي يعتقده العامة ويستدل بذلك بقول الله تعالى: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ". ويقول القرضاوي بأن هذه الانفعالات ناتجة عن اضطرابات وأمراض نفسية وعلاجها طبي فقط وأن الجن كما الإنسان فيهم الصالح والطالح وأكبر تأثير ممكن أن يؤثره في الإنسان هو أنه يوسوس للإنسان في فعل الشر وأن الله كرم الإنسان وهو أقوى بكثير من تأثير الجن انتهى كلام الشيخ..

أما الفريق الأخر من علماء المسلمين فيرى أن ظاهرة المس الشيطاني موجودة وحقيقية حيث يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس اللجنة الدائمة الافتاء بالمملكة العربية السعودية سابقا بأن الجن أنواع وأقسام، ومن الممكن أن يدخل الجسد ويتكلم بلسانه. ويوافقه أيضا الكثير من علماء وشيوخ السلفية والمعتزلة مثل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله رئيس هيئة علماء المسلمين حيث يؤكد على وجود حالات تلبس الجن بالإنس وأنهم يؤذون الإنسان ويزعجونه حسب تسلطهم. ويستشهد بقوله تبارك وتعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس..

أما في الديانة المسيحية فيؤمن المسيحيون بوجود الشياطين والأرواح الشريرة ولا يؤمنون بوجود الجن وأن الشياطين قد تم ذكرها في الكتاب المقدس أكثر من 200 مرة عند المسيحيين يقول القس ميخائيل جرجس رئيس المجلس الإكليريكي إن الشياطين ذكرت في الكتاب المقدس وكانت تصرخ عند خروجهم من الأجسام الممسوسة والمسكونة منهم وكانوا يعترفون باسم الله، ولا يوجد جن في المسيحية ولا تؤمن به بل تؤمن بوجود الشياطين كما ذكر في الكتاب المقدس كالآتي، وكانت الشياطين تخرج من كثيرين وتقول أنت هو المسيح ابن الله فكان ينتهرهم ولا يدعهم ينطقون لأنهم قد عرفوه أنه ابن الله.

أما عند اليهود فهم يؤمنون بوجود الجن فقد تم ذكره في بعض الأسفار في التوراه. الكتاب المقدس عند اليهود. ففي سفر زكريا.. وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِماً قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَأوِمَهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ.يَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ. لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ. أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ.. وأيضا تم ذكره في أخبار الايام .وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ وَأَغْوَى دَأوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ.

أما علميا وعلى الرغم من عدم وجود دراسات كافية تطرقت لهذا الموضوع إلا أن الطب النفسي حتى الآن لا يعترف بهذه الظاهرة فوفقا للعديد من الدراسات المقيسية المسحية التجريبية التي تم إجراؤها وشملت التحقيقات جل المزاعم المنتشرة مثل ظاهرة البيوت المسكونة ودخول الجن في جسد الإنسان حيث لم تتوصل هذه الأبحاث إلى أي نتيجة إيجابية وحسب أغلب الأوراق العلمية والدراسات والأبحاث الموجودة حتى الآن لا يوجد دليل علمي قاطع على مسألة دخول الجن في جسد الإنسان وتم وصف هذه الحالات بأنها عبارة عن أعراض ناتجة عن اضطرابات سايكولوجية أو تعاطي بعض المواد والأدوية كاضطراب الفصام الشيزوفرينيا والاضطرابات الذهانية والهستيريا والهوس الاكتئابي والصرع ومتلازمة ما بعد الصدمة. وغيرها وسببها وجود خلل معين في النواقل العصبية في الإنسان ولها علاج دوائي ونفسي سلوكي يتم بواسطة الطبيب النفسي.

وعلى الرغم من كل هذا الخلاف بين الديانات والعلم إلا أنه هنالك شيء واحد يجب أن نتفق عليه هو أن الأمراض النفسية سببها خلل عضوي ولا يمكن لأي مجلة علمية محكمة أن تفترض خلاف ذلك، فبالنسبة لمريض يعاني من اضطراب نفسي خطير يحتاج إلى علاج نفسي ودوائي بواسطة الطبيب النفسي المختص وليس طرد الشياطين بواسطة المشعوذين. إن المجتمع الطبي والديني يحتاج للمزيد من الأبحاث والدراسات المشتركة حول هذا الموضوع لمحاولة إيجاد أي أدلة تستدعي إثباته أو نفيه بشكل محكم وقاطع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.